الواقع السياسي الجديد... أمل أم تحدٍ جديد للمرأة اللبنانية؟

ترى الناشطة اللبنانية دوللي صراف، أن تعديل قانون الانتخاب يمثل فرصة لتعزيز دور المرأة في السياسة، إلى جانب الحاجة لتجديد الخطاب النسوي ليصبح أكثر شمولية وتمثيلاً لمختلف فئات النساء.

مالفا محمد

مركز الاخبار ـ تلعب المرأة اللبنانية دوراً محورياً في بناء المجتمع، ورغم التحديات السياسية والاجتماعية التي تواجهها، استطاعت عبر عقود أن تحقق إنجازات هامة، وفي ظل التطورات السياسية والجيوسياسية الأخيرة، برز دورها كعنصر أساسي في تحقيق الاستقرار والتنمية.

في ظل الأزمات المتعددة التي تشهدها لبنان، بات من الضروري إعادة النظر في الخطاب النسوي وتطوير استراتيجيات شاملة تعزز الحوار بين الأجيال وتدعم تمكين المرأة في مختلف المجالات.

ولتسليط الضوء على أهم القضايا التي تمس المرأة اللبنانية، ومناقشة أبرز المستجدات على الساحة السياسية ودورها المتنامي فيها، كان لوكالتنا مع الناشطة اللبنانية المهتمة بالخطاب النسوي المتجدد دوللي صراف، الحوار التالي:

 

تلعب المرأة اللبنانية دوراً محورياً في بناء المجتمع اللبناني... برأيك كيف تطور دور المرأة اللبنانية في الحياة السياسية منذ الاستقلال؟

إننا نشهد في العقود الأخيرة تطور في مشاركة المرأة بالحياة السياسية بشكلٍ عام، ولكن فيما يتعلق بكيف تطور وضع المرأة اللبنانية، منذ عهد الاستقلال وحتى أيامنا هذه، سأتحدث عن ثلاثة مراحل أساسية، المرحلة الأولى تبدأ من عام 1952 وهو العام الذي سمح للمرأة اللبنانية بحق الاقتراع والترشح، واعتبر ذلك نقلة نوعية، وجاء في إطار النهضة العربية، وكانت للمرأة الدور الأساسي في صناعة هذه النهضة، وهذه الفترة امتدت لعام 1975، لأنه بعد ذلك وحتى عام 1990 شهدت لبنان الحرب الأهلية، ولكن منذ الاستقلال حتى 1990 وخلال تلك الأعوام لم يكن هناك مشاركة فعلية للمرأة في الحياة السياسية، وأقصد هنا المجلس النيابي ومجلس الوزراء، واقتصر نشاطها على دعم قضايا المرأة، والدعم الأسري لا سيما خلال الحرب الأهلية.

ومنذ عام 1990 حتى يومنا بتنا نستطيع أن نتحدث عن تطور مشاركة المرأة في العمل السياسي، طبعاً في البداية كانت المشاركة محدودة جداً، واقتصرت على النساء اللواتي اكتسبن العمل السياسي بشكل وراثي من العائلة، وقد شهدت السنوات الأخيرة تحسناً في نسبة المشاركة النسوية إلى حد ما، كتواجد 8 نائبات في البرلمان اللبناني من أصل 128 نائباً، وفي الحكومة الأخيرة التي لم يتجاوز عمرها أشهر هناك 5 وزيرات من أصل 24 وزير، وكذلك مشاركة النساء بنسبة 5% فقط في المجلس البلدي، طبعاً الأرقام قليلة ولكن مقارنةً بالفترات السابقة نعتبره تحسناً، ونعول على انتخابات المجلس البلدي المزمع عقدها قريباً لربما نشاهد مشاركة أكثر فعالية وكثافة من قبل النساء.

 

برأيك ما أبرز التحديات التي واجهت النساء حتى تم إقصائهن من السياسة وإبعادهن من الوصول إلى مراكز صنع القرار؟

أنا لن استخدم مصطلح "اقصاء"، فهو يعني أنها تواجه خصم ما يريد أن يستبعدها، وليس هذا واقع الحال، لذلك سأستعيض عنها بالقول أن المرأة لم تتمكن من المشاركة في هذه المجالس وهذا يعود لعدة أسباب وأبرزها النظام الطائفي السياسي في لبنان، والذي يحصر المشاركة ببعض الأحزاب السياسية في البلاد، وبالتالي إن لم تكن المرأة جزءً من هذه الأحزاب أو إن لم ترشح هذه الأحزاب النساء للمشاركة في المجالس النيابية وكذلك مجلس الوزراء، لن تتمكن المرأة من المشاركة والوصول إلى تلك المجالس.

وفيما يخص المجتمعات المحلية فنحن لا زلنا نعاني من ثقافة المجتمع الذكوري التي يتم انتاجها جيل بعد جيل والتي تؤطر المرأة بأدوار نمطية محددة، ولربما تعتبر أن هذا النوع من المراكز ليس من تخصص المرأة أو أنها ليست كفؤة لتقلد تلك المراكز، وعندما نتحدث عن هذه الثقافة الأمر معقد جداً خصوصاً أثناء محاولة تغييرها فهي تحتاج إلى سنوات طويلة، ولربما تكون الكوتا أحياناً هي الحل، وهناك الكثير من النساء اللواتي تتطلعن إلى الوصول لمركز صنع القرار تلقين اللوم على الحكومة والجهات النافذة لعدم إقرار الكوتا النسائية.

 

ما قراءتك للواقع السياسي الجديد في لبنان خصوصاً بعد انتخاب رئيس جديد وتشكيل الحكومة، وما مدى تأثير ذلك على المرأة؟

مما لاشك فيه نشعر بالتفاؤل بالعهد الجديد وخصوصاً بعد خطاب القسم الذي أدلى به الرئيس الجديد والذي تناول فيه نقاط تهم المواطن وكذلك المرأة وكانت أبرزها محاربة الفساد، وتفعيل وتعزيز المواطنة، والعدالة والمساواة، واعتقد أن هذه النقاط تشكل استراتيجيات العهد الجديد، وهذا ما أشعر المواطنين في لبنان وكذلك النساء بالأمل، عسى أن يثمر ذلك في المستقبل، ونعلم بأن التغير لن يحصل بتحريك عصاً سحرية بل يحتاج لسنوات لتحقيق المراد، وعلى الصعيد الشخصي شعرت بتفاؤل بالمشروع الذي تبنته رئيسة الهيئة اللبنانية لشؤون المرأة نعمة عون والتي تحدثت في مشروعها عن تعزيز المواطنة، وبرأي هذا أمر هام جداً لأنه الركيزة الأساسية لتحصيل الحقوق الخاصة بالمرأة ولتغيير الخطاب النسوي، وهذا المشروع لربما يختلف عما سبقه من مشاريع للنساء اللواتي كن يحصرن خطابهن بالنسوية فقط، بينما هذا سيخدم الأخير الإطار العام.

 

في ظل التطورات الجيوسياسية المحيطة (الوضع في سوريا، الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة والجنوب اللبناني)، ما هي الفرص المتاحة لتحقيق الاستقرار السياسي في لبنان؟ وكيف أثر ذلك على واقع المرأة؟

نشهد في لبنان استقرار نسبي، وهذه النسبية تختلف من منطقة لأخرى، وطبعاً لبنان تتأثر بطبيعة الحال بجميع التطورات الجيوسياسية المحيطة بها، فعلى سبيل المثال لا الحصر استطاعت استقبال الملايين من اللاجئين السوريين في الأعوام القليلة الماضية.

التحديات والوضع الأمني المضطرب والمستدام للأسف، زاد من الأعباء على الاقتصاد بشكلٍ خاص وكذلك السياحة، وهو ما يؤثر على الواقع الاجتماعي والعدالة والمساواة وغيرها، ومما لا شك فيه أن لذلك تداعيات كبيرة على المرأة اللبنانية، لأن هذا الواقع لا يجعل من قضايا المرأة أولوية، ولكي يصبح لها الأولوية ينبغي أن نعيش في مجتمع يتوفر فيه الاستقرار ويؤمن الحقوق والواجبات بشكلٍ عادل ومتساوي، وهذا تحدي كبير يواجهنا حالياً.

مشاركة النساء في سوق العمل منخفضة، حيث تشارك أقل من 30% منهن فعلياً في القوى العاملة... برأيك ما مدى تأثير انهيار العملة والتضخم ومعدلات الفقر والبطالة والفجوة بين الجنسين في سوق العمل على النساء؟ في المقابل كيف بإمكانهن أن تساهمن في تحسين الوضع الاقتصادي في ظل الأزمات الحالية؟

حقيقةً نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل متدنية مقارنة مع نسبة النساء المتعلمات، فالمرأة في لبنان استطاعت أن تحقق نسب مرتفعة جداً في التعليم، إلى حد أننا بتنا في الجامعة اللبنانية نتحدث عن تأنيث التعليم، بمعنى أن معظم الأستاذة في الجامعة وعلى صعيد الطلاب كذلك من النساء.

ويعود السبب في ذلك للقوانين والتشريعات المرتبطة بسوق العمل التي تفاوت في الأجور بين الجنسين، وكذلك في الترقي الوظيفي، وإمكانية تبوء المرأة مراكز مهنية مرتفعة، وهذا الأمر يتم بشكل لا يضمن العدالة والمساواة في الحقوق بين الجنسين، لأنه يصب في صالح الرجل أغلب الأحيان.

وضمن إطار الثقافة الذكوري نرى أن معظم المهن التي تشغلها النساء تقتصر على قطاعين ألا وهي التعليم والصحة، وهذا يشير إلى وجود ثقافة تنمط دور المرأة، والذي أدى إلى أن تكون في حالة بطالة، وخلال الأزمة الأخيرة التي شهدتها لبنان لجأت الكثير من النساء أصحاب الكفاءات إلى الهجرة لخارج البلاد.

والحل يبدأ من وضع تشريعات قانونية تؤمن العدالة بين الجنسين، وتوجيه مهني لجميع الطلاب، وتشجيع النساء على الانخراط في قطاعات مهنية أخرى، وتوفير مؤسسات تعنى بدعم مشاريعهن، فأغلب المؤتمرات التي نظمت في الدول العربية، ركزت على أن الشرط الوحيد لتواجه المرأة جميع التحديات المجتمعية سواء السياسية أو الثقافية والاجتماعية والاقتصادية هو التمكين الاقتصادي، لذلك اعتقد أن التمكين الاقتصادي للمرأة أمر هام جداً، ويحتاج إلى استراتيجيات تقاطعية، أي أن تكون للدولة مشاريع تتقاطع مع الجهات الداعمة للمرأة سواء المنظمات الدولية أو القطاع الخاص كالتربية، والهيئة اللبنانية لشؤون المرأة.

 

من الجانب الحقوقي برأيك إلى أين وصلت لبنان في منح اللبنانيات حق منح الجنسية لأولادهن؟

فيما يتعلق بالقوانين والتشريعات مجلس النواب هو المسؤول عن السلطة التشريعية، وبسبب ضعف التمثيل السياسي للمرأة داخل البرلمان، فنحن نراوح مكاننا فيما يتعلق بالتشريعات التي تخص المرأة، نحن لم نحقق بعدْ التعديلات في القوانين التي تخص المرأة، لأن القانون الموجود يتناسب مع النظام السياسي الطائفي في لبنان، نحن في لبنان 18 طائفة ولكل طائفة قانونها في الأحوال الشخصية، فتبقى قضايا الزواج والطلاق والحضانة والوصاية والنفقة من مسؤولية المحاكم الروحية التي يترأسها غالباً رجال دين، وهي تعتبر عقبة أمام إقرار قانون موحد للأحوال الشخصية، لذا لم نجد الكثير من الأصوات المطالبة بتعديله.

وحول قضية منح النساء الجنسية لأولادهن أسوة بالرجال، فهذا يرتبط بدولة المواطنة إذ تحقق ذلك ستتساوى الحقوق بين الرجل والمرأة، ويعود سبب عدم تشريع هذا القانون حتى الآن إلى النظام الطائفي السياسي الذي يعتبر أنه قد يشكل تحدي ديمغرافي مستقبلي، فهو يسمح للمرأة اللبنانية في حال تزوجت من رجل جنسيته غير لبنانية أن تمنح الجنسية لأولادها، وهذا يعني أنه لربما هذا الأمر قد يؤدي إلى خلل في توزيع الطوائف، أي أنه ربما يكون في صالح طوائف محددة كما يعتقدون، لذلك ليس هناك أصوات تنادي بسن هكذا قانون.

اعتقد أنه من الضروري أن يكون هناك مشاركة في الحياة السياسية لكي نستطيع أن نشهد تغيير ولا سيما في مجلس النواب بالإضافة إلى التزام القادة السياسيين باستراتيجية واضحة تؤمن المواطنة الكاملة في لبنان، وهذا يجب ألا يبقى مجرد شعار بل أن يتحول إلى استراتيجية تطبق على أرض الواقع.

عاد ملف تعديل قانون الانتخاب إلى الواجهة، بعد طرح كتلة "التنمية والتحرير" مشروعي قانون أمام اللجان النيابية المشتركة، قبل أكثر من عام على الانتخابات النيابية المقررة في مايو 2026... هل يشكل هذان التعديلان مدخلاً حقيقياً للإصلاح، أم أنهما مجرد أداة لتأجيل المواجهة مع القضايا المصيرية العالقة؟ وما دور المرأة فيه؟

استقبلت هذا الامر بالكثير من الإيجابية، لأن بناء الدولة اللبنانية في عام 1992 وفق أتفاق الطائف، واتفاق الطائف ضم الكثير من البنود الإصلاحية والهامة جداً، وللأسف أغلب هذه البنود لم تنفذ، فمثلاً يتحدث عن إلغاء الطائفية السياسية، وكذلك عن المواطنة والعدالة، والكفاءة والتنمية لجميع المناطق اللبنانية.

أرى بأن المشروع ينسجم بشكل كبير مع اتفاق الطائف، ولكن لا أعلم إن كان الوقت مناسب، لضبابية المرحلة لأنه أحياناً العلة لا تكون في النصوص بل في النفوس، فأنا مع قانون تعديل الانتخابات ليكون بإمكان جميع مكونات النسيج اللبناني المشاركة في الانتخابات، وهذا سيفتح الباب أمام النساء أيضاً، ولكن لابد أن يترافق مع حملة توعية واسعة، لكي يتناسب هذا القانون مع وعي الناخب حول كيفية انتخاب المرشح وفقاً لمعايير الكفاءة والمشروع المطروح، وليس على معايير الانتماءات الأولية الضيقة العصبيات الطائفية وغيرها.

 

في ظل التغيرات الاجتماعية والسياسية كيف بإمكان الخطاب النسوي المتجدد أن يساهم في تعزيز حقوق المرأة اللبنانية؟

دائماً اطرح سؤال على الجمعيات النسوية وكذلك على الناشطات النسويات ماذا حققتم حتى اليوم؟... لأنه على الجمعيات النسوية أن تقيم استراتيجياتها السابقة، لترا أين اخطأت وأين يكمن الخلل ولما لم تحقق تطلعاتها.

اعتقد أن الإجابة الحقيقية هي أن الاستراتيجيات التي وضعتها الجمعيات النسوية غير ناجحة، لأنها اعتمدت بشكل أساسي على تحصيل حقوق المرأة، ووضعت المرأة في مواجهة الرجل، وكأن هناك حرب بين الرجل والمرأة، لذا لابد من وجود خطاب نسوي جديد يركز على تحصيل حقوق المواطن رجلاً أم امرأة، ليتلقوا دعماً مشتركاً، وإلا لن نحقق تقدماً، فكيف يمكن أن أطلب من رجل هو نفسه مستعبد من قبل الذهنية الذكورية أن يحرر المرأة، بالتالي علينا تحرير الرجل والمرأة على حدٍ سواء.

وأرى بأن الجمعيات النسوية تركز على الشعارات وترددها دون أن تقدم حلول، فتغيير الخطاب سيساهم في علاج المشاكل، بعيداً عن الاطروحات النظرية والشعارات، والأهم هو بناء وعي جماعي قادر على تحقيق التغيير.

 

كيف يمكن للخطاب النسوي المتجدد أن يعزز الحوار بين الأجيال حول قضايا المرأة؟ وأن يكون أكثر شمولية وتمثيلاً لمختلف الفئات؟

للأسف الأجيال الشابة لا تملك الوعي الكافي بالقضايا النسوية، لأن المناهج التعليمية ما تزال ترتكز على التمييز الجنسي، وتنمط المرأة على أدوار محددة، فعندما نتحدث عن التغيير الثقافي والمواطن الذي يملك وعياً، لا بد النظر للمناهج التعليمية، ونطرح سؤال إشكالي هام جداً، أي مواطن قمنا بإعداده؟... تغيير المناهج التعليمية ضروري جداً لوعي الفئة الشابة بقضايا المرأة، لأن المناهج التعليمية الحالية لا تعد مواطن يؤمن بالمساواة بين الجنسين، وبكفاءة المرأة، وهذا أمر حتمي لتغيير الواقع الثقافي.

والتواصل بين الأجيال أمر هام، واعتقد أن أي تغيير مجتمعي حقيقي عليه أن يتوافق مع استراتيجيات شاملة، وهذا الامر يجب أن يبدأ من المناهج التعليمية أي من المدرسة.